تابع
كانت رائحة الهواء تعبق بالالوان من نسائم محملة برائحة القمح المطحون في المساء والوان السماء تتماوج بين الزرقة والاحمرار في مثل هذا الوقت من السنة تبدا الغيوم تتراكم فوق القرية حاملة معها رغبة كاملة في الفرح الابدي والراحة فتشعر بتلك الرطوبة المحملة بنسيم الجبل ومواسم الحصاد
هاهو الخريف على الابواب يبدد الصخب الذي تخلفه ايام الصيف وتبدا الحياة بالسكون المهيب الذي يخبئ في طياته تحولا والوانا وبدايات جديدة
في هذا العام التقى رمضان بايامه الاخيرة بالخريف فتعانقت لحظاتهما عناق السلوى بالايمان وازهرت كل المعاني التي يكسرها ذلك الشهر الكريم بين بيوت القرية الصغيرة حبات من الندى والعبير الى اللقاء رمضان تقول نور وتتابع طريقها متجاوزة تعرجات الطريق الجبلية المحاطة باشجار التفاح والكرمة والتين على جانبيها
اليوم اول ايام العيد استقلت نور سيارتها وقصدت مربى المرح والسعادة بيت العائلة الحجري الكبير في القرية التي غادرها الجميع بغرض الدراسة والعمل ولم يبق هنالك الا كومة من الذكريات التي تقبع بين حجارة المنزل السوداء البهية وتشهد عليها اغصان شجرتي الحور اللتين ترميان بظلالهما على الجدار الفاصل بين المنزل والبستان
وصلت نور في عصر ذلك اليوم الى منزلها فتحت الباب الخشبي بهدوء فاصدر صريرا اعادها الى الماضي اكثر من 20عاما صرير يحمل بين نغماته كل احلام والاماني التي تطوف في اعماق روحها فتتذوق طعم حلاوة للحظة كانها الان لم تمضي ابدا بكل تفاصيلها وحنانها
ارادت نور تمضية اليوم الاول من العيد هنا بين حنايا المكان الذي ضم احلى ايام العمر وشهدت غيومه وماؤه وحبات الندى ظفولتها المفعمة باللهو والمرح والحب
عيد فطر مبارك قالت نور وهي تجيل الطرف في كل زاوية حيث تنام كل الصور القديمة هنا كانت تمرح وتلعب وتنام
وتاكل وتحلم هنا عاشت احلى اللحظات والى هنا ماتت وهي تسعى وراء ذكرياتها الجميلة